الأدارسة

لما اتفق العلويون والعباسيون, وكلاهما من بني هاشم, على حرب بني أمية وانتزاع الخلافة منهم, كان العلويون يقدرون أن الخلافة ستئول إليهم, لأنهم أهل بيت النبي صلى الله عليه وسلم . غير أن العباسيين, سارعوا, بعد هزيمة مروان بن محمد آخر خليفة أموي في وقعة الزاب سنة 131هـ, إلى مبايعة أبي العباس عبد الله بن محمد بن علي بن عبد الله بن عباس الملقب بالسفاح, فخاب بذلك أمل العلويين وعادوا إلى المدينة داعين لأنفسهم ورافضين الاعتراف بالخليفة العباسي.
وفي عهد الخليفة أبي جعفر المنصور, قام في المدينة زعيم العلويين محمد (النفس الزكية) بن عبد الله (المحض) بن الحسن المثنى بن الحسن السبط بن علي بن أبي طالب يدعو لنفسه بالخلافة, وقد أراد المنصور أن يتفادى قتاله, فكاتبه وتبادل وإياه الكتب والرسائل, وفيها كان كل منهما يدلي بالحجج المؤيدة لحقه في الخلافة. ولما لم تنته المكاتبة إلى شيء, أرسل المنصور جيشا فقاتل محمدا (النفس الزكية) في معركة انتهت بقتل محمد سنة 145هـ.
وفي عام 169هـ ثار على المنصور علوي آخر هو الحسين بن علي بن الحسن المثلث ابن الحسن المثنى بن الحسن السبط بن علي بن أبي طالب ومعه عماه إدريس ويحيى ابني عبد الله المحض. فأرسل المنصور جيشا لقتاله, وجرت بين الفريقين معركة في موقع قرب المدينة يعرف بـ (فخ), وفيها قتل الحسين وتمكن عمه إدريس بن محمد النفس الزكية من الهرب وتوجه إلى المغرب الأقصى ونزل على قبيلة من البربر تدعى (أوربه) فعرفها بنفسه, فبايعته ودخلت في طاعته قبائل أخرى, وخلع إدريس طاعة بني العباس وأنشأ مدينة (فاس) واتخذها عاصمة له وفيها أقام سنة 172هـ دولة علوية مستقلة عرفت بدولة الأدارسة .
ولما استقر إدريس في ملكه جند من قبائل البربر جيشا فغزا المغرب الأوسط وضمه إلى مملكته و‏خشي هارون الرشيد أن تمتد أطماعه فيستولي على المغرب الأدنى, وكان يعرف باسم (إفريقية) فأراد أن يقيم حكما ثابتا يناط برجل يستقل به ليدفع عنه خطر الأدارسة, فوقع اختياره على إبراهيم ابن الأغلب, فولاه على إفريقية سنة 184هـ, على أن تكون ولايته وراثية في مقابل مبلغ من المال يدفعه إلى الخليفة, وكانت (القيروان) عاصمة للولاية, فبنى إبراهيم بن الأغلب مدينة دعاها (العباسية) اتخذها عاصمة لدولته التي عرفت بدولة الأغالبة .

وفي عهد حفيده زيادة الله الأول تم الاستيلاء على جزيرة (صقلية) بقيادة الفقيه الكبير (أسد بن الفرات) وضمت إلى دولة الأغالبة. وقد امتد حكم الدولة الإدريسية والدولة الأغلبية حتى قيام الدولة الفاطمية.

 انتقل أحد المتصوفة المغاربة وهو السيد أحمد بن إدريس من بلاده بالمغرب إلى مكة ومكث بها ثلاثين سنة وأسس طريقة صوفية استقطب لها مريدين فيها ، ثم توجه إلى تهامة واستقر في صبيا شرق جازان عام 1246هـ / 1830م وأخذ ينشر طريقته هناك حتى تُوفي عام 1253هـ/1837م وبعد عدة عقود، أي في عام 1293هـ /1876م، ولد له حفيد هو محمد بن علي الإدريسي الذى تلقى تعليمه الأوّلي في صبيا ثم سافر إلى القاهرة ودرس في الأزهر ست سنوات (1314 ـ 1320هـ) ومن هناك توجه إلى ليبيا وزار مركز الدعوة السنوسية ، وفي طريق عودته إلى مسقط رأسه صبيا عرج على السودان وتزوج فيه ، ولما وصل صبيا نشط في الدعوة إلى طريقة جده التي تحولت على يديه إلى حركة سياسية مما شكل خطراً على الحكم العثماني في تهامة وعسير وجردت عليه الدولة العثمانية حملة بعد أن بسط نفوذه في تهامة واشترى أسلحة من إيطاليا  وعجزت الحامية العثمانية في متصرفية عسير عن مقاومته، فقاد الحملة العثمانية شريف مكة الحسين بن علي يرافقه أحفاد سعود بن فيصل آل سعود عام 1328هـ/1910م.

وتحالف الإدريسي مع بريطانيا عام 1333هـ/1914م واعترفت له بالسيادة على تهامة وتعهدت بحمايته، وبعد انتهاء الحرب العالمية الأولى وهزيمة العثمانيين استأثر محمد بن علي الإدريسي بحكم المخلاف السليماني (جيزان) فتنازلت له بريطانيا عن ميناء الحديدة وضمها إلى دولته ، وبعد ذلك وجد الإدريسي نفسه بين نارَين : الشريف حسين بن علي شمالاً في الحجاز؛ والإمام يحيى حميد الدين جنوباً في اليمن ، فاضطر إلى إرسال وفد إلى الرياض في عام 1338هـ/1919م  للاتفاق مع الأمير عبدالعزيز بن سعود على حمايته، وعقد معاهدة حُسن جوار ، وصدر بيان في شأن ذلك في 16 من ذي الحجة في عام1339هـ 1921م .

وبعد وفاة السيد محمد بن علي الإدريسي في 3 شعبان سنة 1341هـ/مارس1923م حل محله أكبر أبنائه السيد علي بن محمد الإدريسي ، وكان فتى يافعاً في السابعة عشرة من عمره ، وحدث خلاف داخل أسرة الإدريسي حينما دعا بعض رؤساء القبائل إلى تولية عم الأمير الشاب السيد حسن بن علي الإدريسي بدلاً منه ليتمكن من إصلاح الأحوال في الإمارة ، وكان السيد حسن هذا ميالاً إلى الزهد والتصوف ، وانتهى الخلاف بتعيين السيد حسن وصياً على ابن أخيه الذي لم يسلِّم بذلك فأخذ ينكل بأنصار عمه ، وانقسم الناس إلى قسمَين كل قسم يؤيد صاحبه ، وأقام السيد علي بجيزان وعمه السيد حسن بصبيا ، وتوالت النداءات من نجل الإدريسي إلى السلطان عبدالعزيز لضم الإمارة إلى السلطنة النجدية؛ وكان السلطان يتريث في الاستجابة  لطلبه.   

وفي جمادى الأولى 1344هـ/ ديسمبر 1925م اشتد الخلاف بين الطرفَين واستنصرا بالسطان عبدالعزيز(الملك) الذي سعى في الصلح بينهما وأرسل أمير أبها ابن عسكر لفض النزاع سلماً ، فبعث ابن عسكر وفداً من مشايخ عسير ومعهم سرية من الجند استطاعوا تهدئة الأوضاع في المنطقة ، بعد ذلك آلت الأمور إلى تمكن مؤيدي السيد حسن من الحكم، ولجأ الشاب السيد محمد بن علي الإدريسي إلى مكة ، ولما اضطربت الأحوال في الإمارة تشجع الإمام يحيى وقاد جيشه واسترد ميناء الحديدة من الأدارسة ، كما استولى على بلدان تقع في شمال المدينة وشرقها.

ولما آل الحكم في جازان إلى السيد حسن بن علي الإدريسي، حاول الحصول على مساعدة من إيطاليا ولكنه فشل في ذلك ، وفي تلك الأثناء كان السلطان عبدالعزيز قد بسط نفوذه على الحجاز  فرأى السيد حسن بن علي الإدريسي أن من الأفضل له أن يحصل على حماية السلطان عبدالعزيز ضد إمام اليمن الذي كان يطمع في بلاده فأرسل مندوبه ابن عمه السيد محمد ميرغني الإدريسي إلى مكة يطلب من ملك الحجاز ونجد وملحقاتها الدعم والمساندة ، فانتهت المباحثات إلى عقد اتفاقية مكة بين الطرفين في 14 ربيع الآخر سنة 1345 /21أكتوبر 1926  وبموجب هذه الاتفاقية أصبحت الأمور الداخلية في منطقة جازان للإدريسي ، أما الأمور الخارجية فللسلطان عبدالعزيز الذي تعهد بالدفاع عن منطقة جازان ضد أي عدوان عليها  وأرسل مندوباً من قبله هو صالح بن عبدالواحد ومعه بعض الخبراء والموظفين لمساعدة حسن على تصريف شؤون البلاد ، وبقيت العلاقات بين الطرفين جيدة إلى أن أسند السيد حسن بن علي الإدريسي إدارة البلاد إلى الملك عبدالعزيز في 17جمادى الأولى 1349هـ/أكتوبر1930م.

وفي عام 1350هـ/ 1931م وفد بعض دعاة حزب الأحرار الحجازي من شرق الأردن إلى جازان وزينوا للسيد الإدريسي إعلان الثورة واسترداد إمارته وسلطانه فأعلن العصيان في 5 رجب 1351هـ/4نوفمبر 1932م وتزامنت ثورته تلك مع تمرد ابن رفادة في شمالي الحجاز ، وأرسل الملك عبدالعزيز إليه قوة انطلقت من مكة واكتسحت الإمارة في أواخر شوال 1351هـ/24فبراير1933م ولجأ السيد حسن وابن أخيه عبدالوهاب وحاشيته وأنصاره إلى صنعاء ، ولكن الحكومة السعودية استعادتهم ضمن شروط الصلح بعد الحرب بين اليمن والسعودية الذى عقد في 6 صفر 1353هـ/مايو 1934م ، وبذلك تم توحيد المخلاف السليماني (جازان) .