الإمام تركي بن عبدالله

بعد ان داهمت جيوش الترك الدرعية كان الإمام تركي في مقدمة المدافعين عنها وقد استشهد ابنه فهد واخواه محمد وسعود اثناء المعارك ونجا هو وابنه فيصل واخوه زيد .

لم يشأ الإمام تركي ان يكون من بين المستسلمين فهرب حتى يتمكن من مواصلة الكفاح وبدأ في مقاومة جنود الإحتلال ومن تبعهم من أمراء المناطق الموالين للأتراك ، وكان يهب للنضال ليلا ويفتك بسيفه كل من يستحق القتل منهم ويختفي نهاراً كأنما الأرض قد ابتلعته ، وفي إحدى وقائعه تلك دخل قرية عرقه ليلاً وتوجه الى الجامع وانزوى في أحد أركانه ، وبعد صلاة الفجر وقف أمير عرقه الموالي للأتراك وخطب في المصلين يحذرهم من ثعلب مجاري السيل، يقصد الإمام تركي، وينبههم إلى أنه علم بأنه في هذه النواحي ويؤكد عليهم بأخذ الحيطة والإنتباه وأن من يراه منهم عليه أن يسارع باخباره، فنهض الإمام وصاح فيه قائلاً أنا هنا .. ثم هجم عليه وقتله واختفى عن الأنظار، ولم يجرؤ أحد بعد هذه الواقعة أن يتولى إمارة عرقه حتى عادت إلى حكم آل سعود .

 قصدالإمام بادية  آل شامر من العجمان وأقام في مغارة في جبل عليّه بقرب الخرج لايخرج منها إلا ليلا ، وفي احد الأيام خرج على غير عادته في النهار فرأته فتاة من القبيلة كانت ترعى غنمها فعلمت انه غريب وداخلها الخوف فقام الإمام بالتحدث معها بلهجة عشيرتها حتى يهدئ من روعها  فاطمأنت الى حديثه وتوسمت فيه الخير واصبحت تحلب غنمها  وتحضرله الحليب في كل يوم ولم تخبر احد بمكان وجوده ،  ولما هدأت الأحوال قليلا خطبها من والدها غيدان بن جازع بن علي فولدت له ابنه الذي اسماه جلوي لأنه ولد اثناء جلائه عن بلدته .

بقي في ذلك الغار سنتين وقال في ذلك :

              جلست في غار على الطرق  كشاف       على طريــق  نايـف  في  عليـَّـه

              وطويق غرب وكاشف كل الاطراف       وخذيــت بــه وقـتٍ  وله  قابليــه

              خويي الاجـرب  على كل   حـــواف       في  يــد شجـاع  مايهـاب المنيــه

  ( يذكر في هذه القصيدة سيفه الأجرب ، وهذا السيف له تاريخ فقد كان من ضمن عشرة سيوف من سيوف الصحابة رضوان الله عليهم وقد حصل عليها الإمام سعود الكبير عندما غزى جنوب العراق وأخذها من حجرة علي رضي الله عنه ، وسمي هذا السيف بالأجرب لأن به بعض الصدأ، وانتقل الأجرب من يد إلى يد حتى وصل إلى يد محمد بن سعود بن فيصل الذي أهداه إلى الشيخ عيسى بن علي آل خليفه عندما زاره في البحرين ، وفي عام 1431 هـ اعاده حاكم البحرين الشيخ  حمد بن خليفة ( الملك بعد ذلك )   الى خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله رحمه الله بمناسبة زيارته للبحرين ) .

 

كان محمد بن مشاري بن معمر ابن بنت الامام عبد العزيز ممن تركوا الدرعية  بعد هدمها فعاد سنة 1234هـ ، وكان يملك اموالا طا ئلة فقام بأعادة بناء الدرعية ، ولكن بعض المعارضين له اتصلوا بماجد بن عريعر فقدم الى الدرعية وانضم اليه اهل الخرج والرياض وحريملا فلما اقترب من الدرعية ارسل له ابن معمر بعض الهدايا واخبره بانه تابع للدولة العثمانية فعاد ابن عريعر ونجحت خطة ابن معمر في رد الغازي  فزادت شعبيته مما جعل الكثير من اهل الدرعية الذين تركوها يعودون اليها ، وكان تركي بن عبد الله من ضمن من عادوا فاخذ يساعد ابن معمرفي ادارة شؤن البلاد .

بعد ذلك استطاع مشاري بن سعود الكبير الهرب من حرّاسه وهو في طريقه الى مصر مع الاسرى من آل سعود وعاد الى الدرعية فاضطر ابن معمر الى التـنازل لأبن خاله عن الحكم ثم ذهب الى سدوس مدعيا بانه سيزور بعض اقربائه ، ولما وصل الى سدوس تظاهـر بالمرض ، وكان في الواقع يسعى الى تجميع انصاره  واستطاع ان يكسب فيصل الدويش الى جانبه ، فقد كان الدويش تابع للدولة العثمانية التي يُظهر ابن معمر انه تابع لها وارسل له الدويش بعض رجاله لمساعدته فدخل الدرعية وقبض على مشاري وارسله الى سدوس ثم توجه الى الرياض واستولى عليها فتركها تركي الذي كان اميرا عليها واتجه الى الحائر.

لم يصبر تركي على غدر ابن معمر بابن عمه مشاري فانطلق من الحائر الى ضرما وهناك انضم اليه مؤيدوه وهجم على الدرعية وقبض على ابن معمر وهدده ان لم يطلق سراح مشاري فانه سيقتله هو وابنه، ولكن اتباع ابن معمر في سدوس خشوا من غضب القائد التركي فارسلوا مشاري اليه ومات هناك مسموما في سجنه ، فلما علم تركي نفذ تهديده في ابن معمر وابنه وقتلهما.

قرر تركي ان تكون الرياض عاصمته لقوة تحصينها وحارب الأتراك حتى اجلاهم من البلاد سنة 1240هـ ، وبدأ به عهد الدولة السعودية الثانية .

كان مشاري بن عبدالرحمن بن  بن مشاري بن سعود (1)، إبن اخت الإمام تركي مع الاسرى في مصر وطابت له الاقامة فبعث له خاله الإمام يحثه على العودة وارسل له قصيدته المشهورة الرائعة :

 

فعاد مشاري وولاه الإمام على منفوحة ، وذكر موزل في كتابه بان مشاري ثار على الامام نتيجة حصوله على اموال مصريه ، و بعض الكتاب ذكروا أنه طمع في الحكم وبدأ يخطط لذلك  فلما علم الامام عزله من منفوحة ؛ بينما يذكر ابن بشر الذي عاصر هذه الحادثة بأن الوشاة وشو به عند خاله الامام فعزله ، ومهما يكن الامر فانه في النهاية قام بالإيعازلعبده  " حمزة " بقتل الأمير تركي بعد خروجهم من صلاة الفجر .. فلما دخل الأثنان (  تركي و مشاري ) لصلاة الفجر .. واثناء إنتظارهما للصلاة .. قام الأمير تركي  بإخراج " مسواك " طري  أهدي إليه من أحد أتباعه الذين جاؤوا من الحج مؤخرا  وقسم ذلك المسواك بينه وبين إبن عمه مشاري ، فرق قلب مشاري بعد هذه المبادرة من خاله وتسلل مهرعا إلى عبده " حمزة " ليثنيه عن الأمر الذي أمره .. فما كان من " حمزة " المتأهب والذي قضى ليله يحفّز نفسه للقيام بهذه الفعلة الدنيئة أن يرد بقوله :
(( فرد حمزه ثاير ثاير .. إما فيه وإلا فيك )) .. وذهبت كلمته مثلا.
وفعلا .. قام حمزة واطلق فرده ( أي مسدسه ) على الأمير تركي  وهو خارج من صلاة الفجر اخر يوم من شهر ذو الحجة عام 1249هـ وقتله ، ولكن زويد عبد تركي المخلص هرب الى القطيف وابلغ فيصل ابن الإمام بمقتل والده ، فعاد فيصل واستعاد الحكم بعد ان قتل ابن مشاري .

لم يكن الإمام تركي رحمه الله عظيما بقوته وشجاعته ومواهبه فحسب ، بل كان إنسانا بأحلي معاني هذه الكلمة  يحب شعبه ويحرص على سعادته ويرعى اليتامى والأرامل في قصره ويتولى رعايتهم وكسوتهم ، وكان متواضعا ولذلك رضي بأن يكون تحت إمرة ابن معمر ومشاري بن سعود ولم ينازعهما الحكم ، ولكنه كان يكره الخيانة والغدر فلم يتردد في الثأر لمشاري حين غدر به ابن معمر .

وبالأضافة الى كونه شاعرا فقد كان طبيبا يداوي المرضى بالأساليب المعروفة في زمانه وقد تعلم ذلك بالسمع من العارفين والمجربين .

قتل رحمه الله في  عام 1249هـ بعد أن كبر وفقد نظره أو كاد .

 

 

(1) يذكر ابن بشروالبسام وابن عيسى  أنه مشاري بن عبد الرحمن بن مشاري بن سعود ويشير الى ذلك حمد الجاسر في الجمهرة وابن عثيمين في تاريخ المملكة  ، بينما يذكر ابن هذلول انه مشاري بن عبد الرحمن بن حسن بن مشاري ، وكذلك ابن رويشد في الجداول فلم يذكران عبد الرحمن بن مشاري له ابن اسمه مشاري ، واعتقد بان ماذكره ابن هذلول غير صحيح ؛ خاصة وان ابنة مشاري بن عبدالرحمن بن حسن هي والدة الامام عبد الرحمن .